الامتيازات التجارية- فرص النمو المؤسسي في القطاع الصحي

المؤلف: فيصل زقزوق09.30.2025
الامتيازات التجارية- فرص النمو المؤسسي في القطاع الصحي

انطلقت شرارة نظام الامتياز التجاري في منتصف القرن التاسع عشر، بل وتذهب بعض المراجع التاريخية إلى ما هو أبعد من ذلك بثلاثة قرون. لقد لعب هذا النظام دورًا محوريًا في العقود الأخيرة في توسيع رقعة الخدمات المقدمة للمؤسسات التي بلغت طورًا متقدمًا من النضج المؤسسي، متجاوزةً بذلك الحدود الجغرافية الضيقة. ويتحقق ذلك من خلال استغلال معادلة ذهبية تجمع بين الجودة العالية، والخبرة المتراكمة، ورؤوس الأموال الضخمة، بالإضافة إلى الإدارة الرشيدة للمخاطر المحتملة. يحرص المستثمر الذكي على استنساخ النماذج الناجحة، والاستفادة القصوى من الخبرة الإدارية المتاحة، والتكاليف العامة المدروسة، ومعايير الجودة الصارمة، والإشراف الدقيق الذي تقدمه الجهة المانحة للامتياز، وذلك في مقابل رسوم محددة ونسبة متفق عليها من أرباح الشركة. تتنوع آليات التعاقد وتختلف تفاصيلها، إلا أن التصور العام يظل راسخًا وثابتًا، مما يؤدي إلى تحقيق كفاءة عالية وتسريع وتيرة النمو والانتشار لتلك المؤسسات الممنوحة، وتوفير الوقت والجهد اللازمين لتأسيسها وبناء الخبرة من الصفر.

يجدر بي هنا أن أؤكد على أن النضج المؤسسي الذي تشهده القطاعات الصحية في المملكة العربية السعودية يمثل فرصة سانحة لتكرار التجارب الناجحة التي انطلقت في المدن الكبرى لتشمل كافة مناطق المملكة (وأرى أن هذا الأمر يتحقق بالفعل على أرض الواقع)، ومن ثم الانطلاق نحو دول المنطقة والعالم أجمع، خاصة وأن العديد من هذه المنشآت تعتمد على معايير رفيعة المستوى ورقابة صارمة، بل وربما ساهمت بشكل فعال في وضع فلسفتها الخاصة في القطاع الصحي، وهي فلسفة تستحق التصدير والاقتداء بها.

ومن بين الأنشطة التي تنطوي على فرص واعدة وكبيرة: قطاع المختبرات الطبية، والمراكز والعيادات التخصصية المتنوعة، والمستشفيات المتكاملة، وخدمات تقنية المعلومات الصحية المتقدمة، والخدمات التدريبية المتخصصة، ومراكز الأشعة التشخيصية، والصيدليات الحديثة، وخدمات الرعاية الصحية المنزلية المتميزة، بالإضافة إلى العديد من الخدمات الأساسية والمساندة الأخرى.

ولا يمكن إغفال أهمية تسليط الضوء على المبدأ العام باعتباره هدفًا استراتيجيًا مشتركًا يجمع بين القطاع الخاص (بصفته مانحًا للامتياز) والقطاع العام (بصفته مشرّعًا استراتيجيًا وتنفيذيًا)، بالإضافة إلى بعض الأطراف المستقلة مثل شركات تنظيم المؤتمرات والمنتديات المتخصصة وشركات الاستشارات المالية والصحية المرموقة (بهدف إيجاد البيئة الملائمة لعقد الشراكات الناجحة).

لا توجد بالضرورة طريقة واحدة مثالية لتطبيق ذلك، ولكن لا بد من العمل على نشر الفكرة على نطاق واسع بين مقدمي الخدمات في القطاع الخاص، لما لذلك من أثر استراتيجي بالغ الأهمية على مؤسساتهم وعلى التنمية الخدماتية الوطنية بشكل مباشر وغير مباشر. ويمكن تكييف التجارب الناجحة السابقة التي شهدها السوق السعودي والاستفادة القصوى منها ومن خبرات المهندسين الذين أشرفوا عليها لإعداد المؤسسات لخوض هذه الخطوات الجريئة، خاصة فيما يتعلق بمعايير وسياسات الجودة والحوكمة الرشيدة، وذلك لضمان استمرارية ونجاح تلك المشاريع وتحقيق الأهداف المنشودة لجميع الأطراف المعنية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة